بقلم هشام محمد طلبة
البشارة بالقرآن الكريم وهيمنته على كتب السابقين(الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنّ فَرِيقاً مّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمّا تَصِفُونَ).
ينقسم بحثنا إلى قسمين :-
أولا : إعجاز البشارة بالقرآن الكريم في كتب أهل الكتاب.
ثانيا: إعجاز ما وصف به القرآن علاقته تجاه كتب أهل الكتاب, وهى علاقة الهيمنة وتحقيق ذلك عندهم .
وفي ذلك بيان بأن الإسلام هو الاعتقاد المنطقي والسليم, وأن كتابه هو الكتاب المعجز والمهيمن على سائر الكتب والمصحح لها.
أولا : البشارة بالقرآن الكريم
- تحدى القرآن الكريم بكونه مذكورا في كتب الأولين , (نَزَلَ بِهِ الرّوحُ الأمِينُ,عَلَىَ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ, بِلِسَانٍ عَرَبِيّ مّبِينٍ , وَإِنّهُ لَفِي زُبُرِ الأوّلِينَ) وهذا ما وجدناه بالفعل في آخر أسفار التوراة الحالية, حيث نقرأ تلك الفقرة العجيبة في سفر ملاخي.
" حينئذ تكلم خائفوا الرب الواحد مع صاحبه وأصغى الرب وسمع وكتب " كتاب تذكرة " أمامه لخائفي الرب المتفكرين في اسمه ....., فتتوبون وتميزون ثانية بين الصديق والمنافق تتكلم" هذه الفقرة عن فريق من أتباع موسى كتب الله لهم كتابا سماه كتاب تذكرة ! ولنتأمل كلمة "كتاب تذكرة" هذه... ولنتذكر كم مرة سمى القرآن نفسه بالذكر والذكرى والتذكرة .... إنها عشرات المرات .
أهل الكتاب فسروا هذه الكلمة بأنها مجرد "قائمة" بأسماء خائفي الرب, وأن صفة التذكرة هذه ليست إلا لإنعاش الذاكرة الإلهية – تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً –
والدليل على أن كتاب التذكرة هذا ليس مجرد قائمة لأسماء هو أنه ترتب عليه التوبة والتمييز " فتتوبون وتميزون" أي أنه كتاب فاعل مؤثر وليس مجرد قائمة بأسماء أفراد.والدليل الآخر جاءنا من مخطوطة اكتشفت حديثا لهذا النص وهى وثيقة دمشق.
وقد وجدت ضمن مخطوطات البحر الميت شديدة الأهمية, حيث ذكرت أن كتاب التذكرة هذا سوف يبقى عند الله حتى " يوحى الخلاص والصدق لمن يطيعون "النبي المنتظر" أي أن هناك علاقة واضحة بين النبي المنتظر وكتاب التذكرة. الطريف في الأمر أن كلمة "ذكر" في العبرية تكاد تنطق كما في العربية. وتكتب في التوراة العبرية "زكر".
العجيب أن القرآن الكريم أشار إلى كتابة الله تعالى كتابا لمتبعي النبي المنتظر من قوم موسى.
ولا ننسى أن القرآن سمى نفسه في مرات عدة بالرحمة.
... ( قَالَ عَذَابِيَ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلّذِينَ يَتّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزّكَـاةَ وَالّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ.الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الأمي الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ)
ثانياإعجاز ما وصف به القرآن علاقته تجاه كتب أهل الكتاب وهى علاقة الهيمنة .. وهو ما تحققنا منه في كتب أهل الكتاب (وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ).
والهيمنة – كما علمنا في كتب المفسرين هي كون القرآن مرجعاً ورقيباً وحاكماً على كتب السابقين
مجالاتها- العقيدة والشريعة والقصص والأمثال والمصطلحات.أما صور الهيمنة – فقد أحصيناها أربعاً:أول تلك الصور, الفصل بين الكتب المختلفة حول القضية الواحدة.وقد تمثل ذلك في قوله تعالى: (إِنّ هَـَذَا الْقُرْآنَ يَقُصّ عَلَىَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)من أمثلة ذلك :-
- اختلافهم حول موضع رسو سفينة نوح حيث تقول التوراة الحالية جبل آرارات ويقول كتاب الترجوم جبل الجودى. فانحاز القرآن إلى الترجوم في هذه الجزئية رغم عدم اكتراث القرآن أصلا بالأسماء أو الأرقام.
1- ومن أمثلة ذلك أيضا اختلافهم في قضية صلب المسيح " حسب زعمهم " فكما هو معلوم تقر الأناجيل المعتمدة عندهم هذا الصلب. بينما يقول إنجيل يهوذا المكتشف حديثا أن يهوذا قد صلب بدلا من المسيح. وكذلك كتاب "حديث شيث الأكبر " المدون في القرن الثالث الميلادي يقول أن المسيح الحقيقي لم يصلب أبداً. كما ترى كتب العديد من طوائف القرن الثاني الميلادي المسيحية أن سمعان القيروانى قتل بدلا من المسيح الذي وقف يضحك من غباوة اليهود.
وقد أشارت دورية " ناشيونال جوجرافيك " منذ بضعة شهور إلى أن تلك الكتب التي أشرنا إليها كانت أكثر انتشاراً من الأناجيل المعروفة في القرون الأولى. فانحاز القرآن إلى تلك الكتب في هذه القضية فلم ينكر حادث الصلب ولكن أنكر المصلوب.
صورة لمخطوط من إنجيل يهوذا المكتشف حديثاً والذي ذكر فيه أن الذي صُلب هو يهوذا وليس نبي الله عيسى عليه السلام المصدر:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]صورة لأحد علماء الآثار وهو يقوم بفحص مخطوطة إنجيل يهوذا المصدرhttp://www7.nationalgeographic.com
الصورة الثانية لهيمنة القرآن الكريم وهى إظهار المخفي من تلك الكتب. وقد تمثل ذلك في قوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ كَثِيراً مّمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ قَدْ جَآءَكُمْ مّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مّبِينٌ) من أمثلة ذلك أن النصارى لازال عندهم مجموعة كبيرة من الكتب يسمونها " الكتب المخفية " The Apocrypha وهى تعنى في حرفيتها الكتب المخفية أو كتب الأسرار.(وَقَالُوَاْ أَسَاطِيرُ الأوّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىَ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً. قُلْ أَنزَلَهُ الّذِي يَعْلَمُ السّرّ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِنّهُ كَانَ غَفُوراً رّحِيماً) منها ما أخفوه عمداً وما اختفى نسياناً وفقدانا لتلك الكتب ... وهو ما نجده في قوله تعالى (يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ عَن مّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّا مّمّا ذُكِرُواْ بِه).من جملة ما كان مخفيا وأظهره القرآن الكريم ما ذكرته رسالة جيمس السرية The Apocryphon of Jamesفي مخطوطات نجع حمادي من تشبيه لمملكة السماء ( وهى المملكة الإلهية أي دولة نبي آخر الزمان أي النبي المنتظر وأتباعه بنخلة خرج منها شطئها..) لا يحتاج الأمر إلى عميق تمحيص لإدراك تطابق هذا التشبيه مع قوله تعالى عن محمد رسول الله والذين معه (وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فاستوي عَلَىَ سُوقِهِ).