الدراما البدوية .. ترسيخ للهوية العربية

ان الدراما البدوية ليست جديدة علي الشاشة العربية بل هي قديمة جدا منذ منتصف ستينيات القرن الماضي ، حيث قدم يوسف شعبان والراحلة سلوى سعيد مسلسل وضحى وابن عجلان . وقد استطاعت الدراما البدوية استقطاب قطاعات واسعة من الجمهور وفئات وشرائح غير متوقعة في عصر العولمة ، وهي دراما عربية بامتياز في لهجتها وبيئتها وخبراتها الفنية والإنتاجية . وهذا دليل علي حنين المواطن العربي الي ماضية العريق ومبادئة الاصيلة والتي كانت وراء ارتقائة لقيادة الامم في وقت كانت تعيش فية باقي الشعوب في ظلمات الجهل والتخلف.وحسب قول مدير النصوص وتطوير الأفكار في المركز العربي للإنتاج الإعلامي ياسر قبيلات. فإن الدراما البدوية "بدأت في المدة الأخيرة تأخذ مكانها وتستعيد حضورها ".
إن العودة للفن البدوي عودة للتراث والموروث الشعبي الأصيل الذي افتقدته الأجيال المعاصرة بتأثير التكنولوجيا والأنماط السلوكية المستوردة عبر الدراما الأجنبية التي دأبنا على مشاهدتها من دراما مدبلجة سواء كانت تركية او غربية او حتى عربية اسما وتحمل قيما غريبة عنا وعن ثقافتنا ومورثنا وتستخدم مصطلحات اجنبية وأزياء وموضات لا تمت لنا ولا لواقعنا الحاضر ولا لماضينا بصلة لا من قريب ولا من بعيد , وكأنه كتب علينا ان نستورد كل شيء حتى ثقافتنا وافكارنا ونعيش في ثياب غيرنا ويا ليتهم من اصدقائنا .
والى الذين يقولون ان هذا النوع من الدراما يلبي ذوق فئة محدودة من المشاهدين وينحصر فقط في منطقة الخليج ولا يصلح في مصر نقول لهم , ألا تعلم ان مساحة البادية في مصر اكثر من ثلثي مساحة مصر تقريبا , وسيناء فيها اكثر من 15 قبيلة عربية كبيرة , والصحراء الشرقية بها قبائل بدوية , والصحراء الغربية حتى الحدود مع ليبيا , وصعيد مصر وحتى وادي النيل والدلتا وعلى رأسه محافظة الشرقية , كل هذة مناطق من اصول بدوية وتفهم لغة البادية وتحب القيم العربية الاصيلة , وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد قامت جريدة اليوم السابع بعمل تحقيق صحفي مع احدى قبائل سيناء العريقة تحت عنوان قبيلة منها 104 صحابة أجلاء وأثنى عليها النبى «صلى الله عليه وسلم» فى أكثر من موضع , وفي هذا التحقيق احداث تاريخية ودينية وعادات وتقاليد عربية وبطولات ماضية ومعاصرة تصلح لأن تكون عملا فنيا يعكس هموم المواطن المصري في هذة الايام وينمي قيم الانتماء والولاء بعد ان كادت الدراما الغربية والمتغربة تقضي على تلك القيم بين الاجيال الجديدة.
كما اذكر هؤلاء بكم الانتاج المصري البدوي العربي من بداية صناعة السينما في مصر وحتى الستينات من الافلام والمسلسلات والاغاني البدوية التي قدمتها السينيما واتحاد الاذاعة والتلفزيون وحققت نجاحات كبيرة في فترة كانت لمصر الصدارة في المجال الثقافي والاعلامي , فشعب مصر مازال هو كما كان لم يطرأ علية عنصر دخيل منذ الستينات , فلماذا الان تريدون ان تحرموا المواطن المصري من العودة لجذوره وفصله عن اصله وتغريبه عن قومة؟.
إن الدراما البدوية تلبي ذوق المواطن العربي في كل مكان حتى الذين يعيشون في المهجر , وكاتب هذا المقال منهم , وجمهورها يمتد من بلاد الخليج الى بلاد الشام وجزيرة سيناء والصحراء الشرقية ومحافظة البحر الاحمر , والصحراء الغربية في مصر وعلى امتداد الحدود الليبية وصولا الى سكان الصحراء المغربية , وهذه كما يتضح هي القاعدة العريضة من جمهور المشاهدين في الوطن العربي ، وغالبية العرب كما هو معروف ينتمون لقبائل بدوية بشكل أو بآخر، وفي النهاية فأن المشاهد العربي هو صاحب قرار الاختيار . كما أن تدهور الدراما المصرية لا يمكن ان نعزيه الي تقدم الدراما البدواية حيث ان الدراما السورية وفي السنوات الماضية تمكنت من ازاحة الدراما المصرية عن مركز الصادارة الذي اعتادت علية وذلك لأنها ابتعدت عن معايشة واقع المواطن المصري خصوصا والعربي عموما بأتخاذها منحى تغريبيا بعيد كل البعد عن مبادئنا ومعتقداتنا من مصطلحات غربية وازياء واساليب حياة , جعلت المواطن المصري يكره حياته وينظر إلى نفسة والى شعبة نظرة دونية , مما ساعد علي انتشار الفردية والانعزالية في الحياة الاجتماعية وأدى ذلك الى ظهور امراض اجتماعية غريبة عن مجتمعاتنا الشرقية كالتحرش الجنسي في وسط القاهرة والذي لا وجود له في الارياف والبوادي والاغتصاب واطفال الشوارع وسرقة وتجارة الاعضاء البشرية وارتفاع نسب الطلاق والعنوسة وغيرها من الامراض والاوبئة التي تفتك بالمجتمع المصري وفي طريقها للمجتمعات العربية من خلال الفضائيات الاجنبية وبعض الدراما المصرية الهابطة , والتي ما كان لها ان تظهر لولا تلك الهجمات الاعلامية التغريبية والتي تعمل ليل نهار على هدم مورثاتنا الشعبية وعاداتنا الشرقية وتقاليدنا الاسلامية واقتلاعنا من هويتنا العربية .
ولذلك فأن الدراما البدوية مطلوبة للمجتمعات العربية وزيادتها لا يمكن اعتباره تيارا جديدا يهدف لتحجيم الدراما المصرية والسورية , فلكل ذوقة والبقاء للاصلح في عالم الثقافة والفن , والدراما البدوية التي تحمل قيما عربية أصيلة وتؤكد على هذة القيم وتحاول غرسها في نفوس المشاهدين لهي جديرة بالبقاء والسيطرة على الشاشات العربية حيث ان العادات والتقاليد العربية لم تندثر، بل ما زالت موجودة في داخلنا وواقعنا، ولكنها متجاهلة من قبل دعاة التغريب والعولمة ، والدراما البدوية بمثابة سلاح في أيدي الشباب والجيل الجديد لمقاومة تأثير الثقافة الغربية ودعوتهم إلى التمسك بالعادات والأخلاق العربية.
وقد تتجح الدراما العربية البدوية في ما فشلت فيه السياسة من ايجاد قواسم مشتركة بين شعوب منطقتنا العربية من قيم ومبادئ عربية اصيلة لا زالت موجودة داخلنا رغم كل المحاولات التي بذلت عبر الثلاثين عاما الماضية لتغريبنا عن ثقافتنا وتغييبنا عن وعينا وابعادنا عن مورثنا وطمس هويتنا العربية حتى يسهل على كل طامع فينا السيطرة علينا وعلى المنطقة ثقافيا وفكريا قبل ان يسيطر عليها اقتصاديا وعسكريا .